سورة المنافقون - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المنافقون)


        


{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (2) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ (3)}
أرادوا بقولهم: {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله} شهادة واطأت فيها قلوبهم ألسنتهم. فقال الله عزّ وجلّ: قالوا ذلك {والله يَعْلَمُ} أن الأمر كما يدل عليه قولهم: إنك لرسول الله، والله يشهد أنهم لكاذبون في قولهم: نشهد؛ وادعائهم فيه المواطأة. أو إنهم لكاذبون فيه، لأنه إذا خلا عن المواطأة لم يكن شهادة في الحقيقة؛ فهم كاذبون في تسميته شهادة. أو أراد: والله يشهد إنهم لكاذبون عند أنفسهم: لأنهم كانوا يعتقدون أنّ قولهم: {إِنَّكَ لَرَسُولُ الله} كذب وخبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه.
فإن قلت: أي فائدة في قوله تعالى: {والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}؟ قلت: لو قال: قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يشهد إنهم الكاذبون، لكان يوهم أنّ قولهم هذا كذب؛ فوسط بينهما قوله: {والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}؟ ليميط هذا الإيهام {اتخذوا أيمانهم جُنَّةً} يجوز أن يراد أنّ قولهم نشهد إنك لرسول الله يمين من أيمانهم الكاذبة، لأنّ الشهادة تجري مجرى الحلف فيما يراد به من التوكيد، يقول الرجل: أشهد وأشهد بالله، وأعزم وأعزم بالله في موضع أقسم وأولى. وبه استشهد أبو حنيفة رحمه الله على أن (أشهد) يمين. ويجوز أن يكون وصفاً للمنافقين في استجنانهم بالأيمان.
وقرأ الحسن البصري: إيمانهم، أي: ما أظهروه من الإيمان بألسنتهم. ويعضده قوله تعالى: {ذلك بِأَنَّهُمْ ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُوا}. {سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من نفاقهم وصدهم الناس عن سبيل الله. وفي {سَآءَ} معنى التعجب الذي هو تعظيم أمرهم عند السامعين {ذلك} إشارة إلى قوله: {سَآء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي ذلك القول الشاهد عليهم بأنهم أسوأ الناس أعمالا (ب) سبب (أنهم آمنوا ثم كفروا) أو إلى ما وصف من حالهم في النفاق والكذب والاستجنان بالأيمان، أي: ذلك كله بسبب أنهم آمنوا ثم كفروا {فَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ} فجسروا على كل عظيمة.
فإن قلت: المنافقون لم يكونوا إلا على الكفر الثابت الدائم، فما معنى قوله: {ءَامَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ}؟ قلت: فيه ثلاثة أوجه، أحدها: آمنوا، أي: نطقوا بكلمة الشهادة وفعلوا كما يفعل من يدخل في الإسلام، ثم كفروا: ثم ظهر كفرهم بعد ذلك وتبين بما أطلع عليه من قولهم: إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن حمير، وقولهم في غزوة تبوك: أيطمع هذا الرجل أن تفتح له قصور كسرى وقيصر هيهات. ونحوه قوله تعالى: {يَحْلِفُونَ بالله مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الكفر وَكَفَرُواْ بَعْدَ إسلامهم} [التوبة: 74] أي: وظهر كفرهم بعد أن أسلموا. ونحوه قوله تعالى: {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكم} [التوبة: 66] والثاني آمنوا: أي نطقوا بالإيمان عند المؤمنين، ثم نطقوا بالكفر عند شياطينهم استهزاء بالإسلام، كقوله تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الذين ءَامَنُواْ} [البقرة: 14] إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا نَحْنُ مستهزؤون} [البقرة: 14] والثالث: أن يراد أهل الردة منهم. وقرئ: {فطبع على قلوبهم}، وقرأ زيد بن علي: {فطبع الله}.


{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (4)}
كان عبد الله بن أبيّ رجلاً جسيماً صبيحاً، فصيحاً، ذلق اللسان وقوم من المنافقين في مثل صفته، وهم رؤساء المدينة، وكانوا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستندون فيه، ولهم جهارة المناظر وفصاحة الألسن؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم ومن حضر يعجبون بهياكلهم ويسمعون إلى كلامهم.
فإن قلت: ما معنى قوله: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ}؟ قلت: شبهوا في استنادهم- وما هم إلا أجرام خالية عن الإيمان والخير- بالخشب المسندة إلى الحائط؛ ولأنّ الخشب إذا انتفع به كان في سقف أو جدار أو غيرهما من مظان الانتفاع، وما دام متروكاً فارغاً غير منتفع به أسند إلى الحائط، فشبهوا به في عدم الانتفاع. ويجوز أن يراد بالخشب المسندة: الأصنام المنحوتة من الخشب المسندة إلى الحيطان؛ شبهوا بها في حسن صورهم وقلة جدواهم؛ والخطاب في {رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ} لرسول الله، أو لكل من يخاطب. وقرئ: {يُسمع} على البناء للمفعول، وموضع {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ} رفع على هم كأنهم خشب. أو هو كلام مستأنف لا محل له. وقرئ: {خشب} جمع خشبة، كبدنة وبدن. وخشب، كثمرة وثمر. وخشب، كمدرة ومدر، وهي في قراءة ابن عباس.
وعن اليزيدي أنه قال في {خُشُبٌ}: جمع خشباء، والخشباء: الخشبة التي دعر جوفها: شبهوا بها في نفاقهم وفساد بواطنهم {عَلَيْهِمْ} ثاني مفعولي يحسبون، أي: يحسبون كل صيحة واقعة عليهم وضارة لهم، لجبنهم وهلعهم وما في قلوبهم من الرعب: إذا نادى مناد في العسكر أو انفلتت دابة أو أنشدت ضالة: ظنوه إيقاعاً بهم. وقيل: كانوا على وجل من أن ينزل الله فيهم ما يهتك أستارهم ويبيح دماءهم وأموالهم. ومنه أخذ الأخطل:
مَا زِلْتَ تَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ بَعْدَهُم *** خَيْلاَ تَكِرُّ عَلَيْهِمُ وَرِجَالاَ
يوقف على {عَلَيْهِمْ} ويبتدأ {هُمُ العدو} أي الكاملون في العداوة: لأنّ أعدى الأعداء العدوّ المداجي، الذي يكاشرك وتحت ضلوعه الداء الدوي {فاحذرهم} ولا تغترر بظاهرهم. ويجوز أن يكون {هُمُ العدو} المفعول الثاني، كما لو طرحت الضمير.
فإن قلت: فحقه أن يقال: هي العدوّ.
قلت: منظور فيه إلى الخبر، كما ذكر في {هذا رَبّى} [الأنعام: 76] وأن يقدر مضاف محذوف على: يحسبون كل أهل صحية {قاتلهم الله} دعاء عليهم، وطلب من ذاته أن يلعنهم ويخزيهم. أو تعليم للمؤمنين أن يدعوا عليهم بذلك {أنى يُؤْفَكُونَ} كيف يعدلون عن الحق تعجباً من جهلهم وضلالتهم.


{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (5) سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (6)}
{لَوَّوْاْ رُؤُوسَهُمْ} عطفوها وأما لوها إعراضاً عن ذلك واستكباراً. وقرئ بالتخفيف والتشديد للتكثير.

1 | 2